السبت، 9 أبريل 2011

الرد النفيس علي شبهات الصوفيين




الرد النفيس علي شبهات الصوفيين
إن الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين.
وبعد:
من أعظم المحرَّمات على الإطلاق التي عمَّت وانتشرتْ بين الناس: ما يتعلَّق بعقيدتهم وتوحيدهم لله تعالى، لماذا؟ لأن مخالفة التوحيد - سواء في الأقوال أو الأعمال - شِرْك، وسواء كان شِرْكًا أصغر أو أكبر، فهو الذنب الذي لا يَغفره الله لصاحبه إلاَّ إذا تابَ وآمَن، وعمل صالحًا؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].

وبعد هذا الترهيب والتحذير من الشِّرْك تجدُ الكثير من الناس - إلاَّ مَن رحِم ربِّي - يقع فيه، وسواء كان ذلك بجهلٍ وغَفلة أو بعِلمٍ ونِيَّة، فهو ظلمٌ عظيم، ومِن ذلك ما يفعله الصوفيَّة من شَدِّ الرِّحال والاستعانة بالأموات.
والاستعانة بالأموات نوعٌ من أنواع الشِّرْك الأكبر الذي نريد أن نحذرَ منه، لماذا؟ لأنه أمرٌ قد عمَّ وانتشرَ انتشار النار في الهشيم في كلِّ بقاع العالم الإسلامي، ولا يتحرَّك العلماء - إلا من رحِمَ ربِّي - خوفًا من الفتنة أو على أنفسهم - لا أدري! - من أجْل تغييره وتوضيح خطورته على العقيدة، ومخالفته لتوحيدهم اللهَ تعالى.
فشدُّ الرحال والذهاب إلى أصحاب الأضرحة من الأولياء وأقطاب الصوفية الذين ماتوا، وسؤالهم والاستعانة بهم، والنَّذْر والدعاء عندهم - إنَّما هو شِرْك يخالف صريحَ القرآن والسُّنة، وإليك بعضَ الأدلَّة على حُرْمة ذلك، مع رفْع الالتباس والردِّ على الشبهات التي يُثيرها البعض؛ ليبرِّر سوء عمله؛ سواء من الصوفية أو من غيرهم؛ لكشْف الغُمَّة عن عيون الناس، ثم ليهلِك من هَلَك عن بيِّنَة، ويحيا من حَيَّ عن بيِّنَة، والله المستعان.
الدليل الأول:
قال - تعالى -: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 188].
ومَن يتأمَّل الآية جيدًا، يُدركْ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا.
فكيف بمن هو دونه في المقام والمنزلة والعبودية لله - تعالى - من أقطاب الصوفيَّة، وأولياء الله الذين يتوسَّل بهم الناس لجَلْب نفعٍ أو دفْع ضُرٍّ؟! حقًّا إنها لا تَعمى الأبصار، ولكن تَعمى القلوب التي في الصدور.
الدليل الثاني:
قال - تعالى -: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس: 18].

وفي ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم": "وأكثرهم يسأل الميِّت المقبور كما يسأل الحي الذي لا يموت، فيقول: يا سيِّدي فلان، اغفر لي وارحمني وتُبْ عليّ، أو يقول : اقضِ عني الدَّين وانصرني على فلان، وأنا في حسبك وجوارك"؛ انتهى.
الدليل الثالث:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كنتُ خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجدْه تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلمْ أنَّ الأمة لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيءٍ، لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك، رُفعت الأقلام وجَفَّت الصحف))"؛ أخرجه الترمذي، وإسناده صحيح.
الدليل الرابع:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((قال - تعالى -: "أنا أغنَى الشركاء عن الشِّرْك، مَن عمِل عملاً أشْرَكَ فيه معي غيري، تركتُه وشِرْكه")) ؛ أخرجه أحمد ومسلم.
وفي هذه الأدلة الأربعة من القرآن والسُّنة الكفاية؛ ليدركَ المسلم ضلالَ اعتقاد هؤلاء بأنَّ هناك مَن ينفع أو يضرُّ مع الله تعالى، فما بال هؤلاء لا يفقهون لله حديثًا؟! ويأتون من أقاصي البلاد، ومن هنا وهناك، ويشدون الرِّحال للاحتفال بليلة مولد فلان، ويتمسَّحون بضريحه، ويبكون ويستغيثون به: يا سيِّدي فلان، مَدَد، مدد، ويذبحون الذبائح، ويقيمون الولائم، ويختلط في هذه الليلة الرجال بالنساء، وتقع المنكرات والفواحش بلا رادعٍ من دين أو ضمير، والعجيب أنَّ هؤلاء الذين يدافعون عن هذه المنكرات باستماتة يقولون: إنما نحن نتوسَّل بهم - أي: أولياء الله - ليكونوا شفعاءَ لهم عند الله - تعالى - ووسطاء، فهم أولياؤه وخاصته، وأقربهم طاعة ومقامًا ومنزلة عنده - سبحانه وتعالى - وهذا هو عينُ الشِّرْك، وذاك هو الجهْل الفاضح، والاعتقاد الفاسد، ولهؤلاء شبهات أخرى، ولا بأس أن نذكرَ في هذه المقالة ثلاثًا منها، ونردَّ عليها بالأدلة التي تدحضُها من القرآن والسُّنة، وأقوال العلماء الثقات؛ ليموت من مات منهم عن بَيِّنة، ويحيا من حيَّ عن بيِّنة، والله المستعان.
الشبهة الأولى:
يقولون: إنَّ هؤلاء شفعاء لنا عند الله - تعالى - وهذا يوافق تمامًا ما قاله المشركون قديمًا؛ كما قال - تعالى -: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3]، وقوله - تعالى -: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].
نعم رغم قولهم هذا، فقد وصفَهم الله - تعالى - بالشِّرْك والكَذب؛ فهو - سبحانه - أغنى الأغنياء عن الشِّرك، وهو وحْدَه الذي يلجأ إليه الإنسان، يسأله ويستغيث به، ولا يَرْجَو سواه ولا يَذْبَح إلاَّ له، ولا يَتَوكَّل إلاَّ عليه، ولا يَخاف إلا منه، ولا يحلف إلاَّ باسمه، ولا يطيع إلا أمرَه، تلك هي حقيقة العبودية له - سبحانه وتعالى - فانتبه.
الشبهة الثانية:
يقولون: إنَّ الصحابة قد توسَّلوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومَن بعده بالعباس عمِّه - رضي الله عنه - أي: إنَّ الصحابة في زعْمهم توسَّلوا بمخلوق، وهذا هو عينُ ما يفعلونه، وهذه فِرْية سوف يحاسبُهم الله عليها، وللردِّ على هذه الشبهة أنقلُ إليك ما ذكَرَه شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى - في كتابه سابق الذِّكْر قال: "استشفاع الناس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، فإنهم يطلبون منه أن يشفعَ لهم إلى الله، كما كانوا في الدنيا يطلبون منه أن يدعو لهم بالاستسقاء وغيره، وقول عمر - رضي الله عنه -: إنَّا كنَّا إذا أجدبْنا، توسَّلنا إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإنَّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا، معناه: نتوسَّل إليك بدعائه وشفاعته وسؤاله، ونحن نتوسَّل إليك بدعاء عمِّه، وسؤاله وشفاعته، ليس المراد به: إنَّا نقسمُ عليك به، أو ما يجري هذا المجرَى مما يفعله المبتدعون بعد موته وفي مغيبه، كما يقول البعض: أسألك بجاه فلان عندك، ويقولون: إنَّا نتوسَّل إلى الله بأنبيائه وأوليائه، ويروون حديثًا موضوعًا: (إذا سألتم الله، فاسألوه بجاهي؛ فإن جاهي عند الله عريض)، فإنَّه لو كان هذا هو التوسُّل الذي كان الصحابة يفعلونه - كما ذكر عمر، رضي الله عنه - لفعلوا ذلك بعد موته، ولم يَعْدلوا عنه إلى العباس، مع عِلمهم أنَّ ذلك التوسُّل الذي ذكروه هو ما يفعله الأحياء دون الأموات، وهو التوسُّل بدعائهم وشفاعتهم، فإنَّ الحي يطلب منه ذلك، والميِّت لا يطلب منه شيء؛ لا الدعاء ولا غيره"؛ انتهى.

ثم إنَّ هؤلاء لو تحدَّثتَ معهم بالحُجة، فقلتَ لهم: إنَّ الدعاء عبادة خالصة لله - تعالى - فهو وحْدَه القادر على الإجابة، فأمره بين الكاف والنون، إنْ أراد شيئًا، فإنَّما يقول له: كنْ فيكون.
فإذا دعا الإنسان ربَّه قائلاً مَثَلاً: "اللهم أجِرْني من النار"، الدعاء هنا لله - تعالى - أم للمخلوق؟ سيقولون - بلا ريب -: لله تعالى؛ فهو خالق الجنة والنار، ومُيسِّر الأسباب، وبيده ملكوت كلِّ شيء، فنقول لهم: هذا شيء جميل، فإذا كان الأمرُ كذلك، فما معنى ذهابكم إلى السيد البدوي أو الدسوقي أو غيرهما، وقولكم أمام ضريح المقبور: "يا فلان، نسألك كذا وكذا؟! وقد اتَّفقنا على أنَّ الدعاء عبادة خالصة لله - تعالى - فيكون الدعاء عند غيره من أصحاب الأضْرحة وسؤالهم شِرْك؛ لأنهم مخلوقون لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا حياةً ولا موتًا ولا نشورًا، إن قالوا: نعم، فقد أقاموا الحجة على أنفسهم، وإن قالوا: لا، وتهرَّبوا وجادَلوا، وجَحدوا وتكبَّروا عن الانصياع للحقِّ، فقد صَدَق فيهم قول الله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأعراف: 194].
هذا، وهناك من عوام الناس لجَهْلهم ومعتقدهم الفاسد يظنون أن شدَّ الرحال إلى أولياء الله أنفعُ من حَجِّ بيت الله الحرام!!

ومِن ثَمَّ، فإنَّ ما يفعله هؤلاء القبوريون وصْمَةُ عارٍ في جسد الأمة الإسلاميَّة يُسأل عنها الأمراءُ والعلماء، إلاَّ مَن رحِم منهم ممن جاهَر بكلمة الحقِّ، ولا يخاف في الله لوْمَة لائمٍ.
أمَّا علماء السوء الذين خافوا على لُقمة العيش، أو طمعًا في الاستمرار والبقاء في مناصبهم الدنيوية الزائلة، لا نقول لهم إلا قول الله - تعالى - لنذكِّرَهم بحقِّه - سبحانه - ويحذوا حذْوَ إخوانهم من العلماء المخلصين؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [آل عمران : 104 - 107].
الشبهة الثالثة:
يقولون: إنَّ مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيه قبرُ النبي وصاحِبَيه، ونحن نشدُّ الرحال إليهم، فما الفَرْق؟
قال علماؤنا في الردِّ على هذه الشبهة ما يلي:
أولاً: القبر كان في حُجرة السيدة عائشة - رضي الله عنها، كما هو معلوم - في بداية الأمر، وكان قريبًا من المسجد، وكان بين البيت والمسجد الروضة الشريفة؛ كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة))، هذا وقد ظلَّ البيت خارج المسجد في عهْد الخلفاء الراشدين والتابعين، وتابعي التابعين، وهم القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيريَّة، ثم جاء العهْد الأموي، وأدخل الوليد بن عبدالملك حجرة السيدة عائشة - رضي الله عنها - وفيها قبرُ النبي وصاحِبَيه داخل المسجد لتوسعته، ويومها بكى أهل المدينة كما لم يبكوا إلا يوم مات النبي - صلى الله عليه وسلم - لعِلْمهم بتحذيره من اتخاذ القبور مساجدَ، من ذلك ما أخرجه مسلم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال قبل موته بخمس: ((إنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبورَ أنبيائهم مساجدَ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجدَ؛ إني أنهاكم عن ذلك)).

ومن ذلك ما أخرجَه البخاري وأحمد أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ مِن شِرار الناس مَن تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد)).
ثانيًا: نحن مأمورون بشَدِّ الرحال إلى المسجد النبوي؛ لحديث:  ((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد))، ومِن ضِمنهم المسجد النبوي، ولسنا مأمورين بشدِّ الرحال للحسين أو البدوي، أو الدسوقي أو غيرهم؛ انتبه.
ثالثًا: إنَّ كثيرًا من الصحابة الذين ماتوا - رضوان الله عليهم أجمعين - لم تسجِّل لهم كُتبُ التراث والتاريخ حالة واحدة من أنَّ واحدًا منهم زارَ قبرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أو صحابي آخر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وسأله مسألة أو استغاث به، أو اتَّخذه وسيطًا أو شفيعًا عند الله - تعالى - وكذلك في عهْد التابعين، وتابعي التابعين، وهم أفضل الأمة إيمانًا وتقوى ووَرَعًا، وفِقهًا وعِلْمًا، ويقينًا وخوفًا من الله تعالى.
فهل أقطاب الصوفيَّة الذين يتوسَّل بهم هؤلاء القبوريون أفضل كرامةً ومنزلة ومكانة من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين - الأمر لا يحتاج إلى تعليق وشكٍّ في ضلال مَن يقول بذلك، وفي حُرْمة شدِّ الرحال والسؤال، والاستعانة بغير الله - تعالى - وإنْ دلَّ هذا على شيء، فإنَّما يدلُّ على أنَّ الأمة المحمديَّة قد أصابها الحُمَّى الشِّرْكية في أماكن مُتفرِّقة من جسدها، فإنْ لم ينهضْ أطباء الأُمَّة وعلماؤها بكشْف الداء، وتشخيص الدواء - وهم ورَثَة الأنبياء - في جميع وسائل الإعلام: المقروءة والمسموعة والمرئية، دون خوفٍ من الفتنة، أو على أنفسهم أو مناصبهم الدنيوية، والحق أحقُّ أن يُتَّبَع، فقد تعودُ الأمة إلى جاهليَّتها ووثنيَّتها رغم التقدُّم العِلمي والتكنولوجي في العصر الحديث.
وبعد، لقد أطلنا الحديث عن حُرمة شدِّ الرحال، ولكن كان ولا بُدَّ من البيان والتوضيح؛ فهو أمرٌ قد عمَّ وانتشر، والأخطر من ذلك، فهو شِرْكٌ أكبر - والعياذ بالله - مما احتاج منِّي إلى هذه الاستفاضة في الشَّرْح، والله من وراء القصْد، وهو الهادي إلى الصراط المستقيم، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، وآله وصحبه أجمعين.











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق